فصل: وفاة الوزير المهلبي.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ظهور الكتابة على المساجد.

كان الديلم كما تقدم لنا شيعة لإسلامهم على يد الأطروش وقد ذكرنا ما منع بقي بويه من تحويل الخلافة على العباسية إليهم فلما كان سنة إحدى وخمسين وثلثمائة أصبح مكتوبا على باب الجامع ببغداد: لعن صريح في معاوية ومن غصب فاطمة فدك ومن منع من دفن الحسن عند جده ومن نفى أباذر ومن أخرج العباس من الشورى ونسب ذلك إلى معز الدولة ثم محى من الليلة القابلة فأراد معز الدولة إعادته فأشار المهلبي بأن يكتب مكان المحو: لعن معاوية فقط والظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة أمر الناس بإظهار الزينة والفرح لعبد العزيز من أعيان الشيعة وفي السنة بعدها أمر الناس في يوم عاشوراء أن يغلقوا دكاكينهم ويقعدوا عن البيع والشراء ويلبسوا المسوح ويعلنوا بالنياحة وتخرج النساء مسبلات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ولطمن خدودهن حزنا على الحسين ففعل الناس ذلك ولم يقدر أهل السنة على منعه لأن السلطان للشيعة وأعيد ذلك سنة ثلاث وخمسين فوقعت فتنة بين أهل السنة والشيعة ونهب الأموال.

.استيلاء معز الدولة على عمان وحصاره البطائح.

انحدر معز الدولة سنة خمس وخمسين إلى واسط لقتال عمران بن شاهين بالبطائح فأنفذ الجيش من هنالك مع أبي الفضل العباس بن الحسن وسار إلى الأبلة فأنفذ الجيش إلى عمان وكان القرامطة قد استولوا عليها وهرب عنها صاحبها نافع وبقي أمرها فوضى فاتفق قاضيها وأهل البلد أن ينصبوا عليهم رجلا منهم فنصبوه ثم قتله بعضهم فولوا آخر من قرابة القاضي يعرف بعبد الرحمن بن أحمد بن مروان واستكتب علي بن أحمد الذي كان وصل مع القرامطة كاتبا وحضر وقت العطاء فاختلف الزنج والبيض في الرضا بالمساواة وبعدمها واقتتلوا فغلب الزنج وأخرجوا عبد الوهاب واستقر علي بن أحمد أميرا فلما جاء معز الدولة إلى واسط هذه السنة قدم عليه نافع الأسود صاحب عمان مستنجدا به فانحدر به من الأبلة وجهز له المراكب لحمل العساكر وعليهم أبو الفرج محمد بن العباس بن فساغس وهي مائة قطعة فساروا إلى عمان وملكوها تاسع ذي الحجة من سنة خمس وخمسين وقتلوا من أهلها وأحرقوا مراكبها وكانت تسعة وثمانين وعاد معز الدولة إلى واسط وحاصر عمران وأقام هنالك فاعتل وصالح عمران وانصرف عنه.

.وفاة الوزير المهلبي.

سار الوزير المهلبي في جمادى سنة اثنتين وخمسين إلى عمان ليفتحها فاعتل في طريقه ورجع إلى بغداد فمات في شعبان قبل وصوله وحمل فدفن بها لثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر من وزارته وقبض معز الدولة أمواله وذخائره وصارت إليه وحواشيه ونظر في الأمور بعده أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس بن فساغس ولم يلقب أحد منهما بوزارة.

.وفاة معز الدولة وولاية ابنه بختيار.

ولما رجع معز الدولة إلى بغداد اشتد مرضه فعهد بالسلطنة إلى ابنه عز الدولة وتصدق وأعتق وتوفي في ربيع من سنة ست وخمسين لاثنتين وعشرين سنة من سلطنته وولى ابنه عز الدولة بختيار وقد كان أوصاه بطاعة عمه ركن الدولة وبطاعة ابنه عضد الدولة لأنه كان أكبر سنا وأخبر بالسياسة ووصاه بحاجبه سبكتكين وبكاتبيه أبي الفضل العباس وأبي الفرج فخالف وصاياه وعكف على اللهو وأوحش هؤلاء ونفى كبار الديلم شرها في أقطاعاتهم وشغب عليه الأصاعد فذاداهم واقتدى بهم الأتراك وجاء أبو الفرج محمد بن العباس من عمان بعد أن سلمها إلى نواب عضد الدولة الذين كانوا في أمداده وخشي أن يؤمر بالمقام بها وينفرد أبو الفضل صاحبه بالوزارة ببغداد فكان كما ظن ثم انتقض بالبصرة حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار سنة ست وخمسين فبعث الوزير أبو الفضل العباس فسار موريا بالأهواز ونزل واسط وكتب إلى حبشي بأنه جاء ليسلمه البصرة وطلب منه المعونة على أمره فأنفذ إليه مائتي ألف درهم وأرسل الوزير خلال ذلك إلى عسكر الأهواز أن يوافوه بالأبلة لموعد ضربه لهم فوافوه وكبسوا حبشيا بالبصرة وحبسوه برامهرمز ونهبوا أمواله وكان من جملة ما أخذ له عشرة آلاف مجلد من الكتب وبعث ركن الدولة بتخليص حبشي ابن أخيه وجعله عند عضد الدولة فأقطعه إلى أن مات سنة سبع وستين.

.عزل أبي الفضل ووزارة ابن بقية.

لما ولى أبو الفضل وزارة بختيار كثر ظلمه وعسفه وكان محمد بن بقية من حاشية بختيار وكان يتولى له المطبخ فلما كثر شغب الناس من أبي الفضل عزله بختيار سنة اثنتين وستين وولى مكانه محمد بن بقية فانتشر الظلم أكثر وخربت النواحي وظهرت العيارون ووقعت الفتن بين الأتراك وبختيار فأصلح ابن بقية بينهم وركب سبكتكين بالأتراك إلى بختيار ثم أفسد بينهم وتحرك الديلم على سبكتكين وأصحابه فأرضاهم بختيار بالمال ورجعوا عن ذلك كان ناصر الدولة بن حمدان قد قبض عليه ابنه أبو ثعلب وحبسه سنة ست وخمسين وطمع في المسير إلى بغداد وجاء أخوه حمدان وإبراهيم فارغين إلى بختيار ومستنجدين به فشغل عنهما بما كان فيه من شأن البطيحة وعمان حتى إذا قضى وطره من ذلك وعزل أبا الفضل الوزير واستوزر ابن بقية حمله على ذلك وأغراه به فسار إلى الموصل ونزلها في ربيع الآخر وسنة ثلاث وستين ولحق أبو ثعلب بسنجار بأصحابه وكتابه ودواوينه ثم سار إلى بغداد وبعث بختيار في أثره الوزير ابن بقية وسبكتكين فدخل ابن بقية بغداد وأقام سبكتكين يحاربه في ظاهرها ووقعت الفتنة داخل بغداد في الجانب الغربي بين أهل السنة والشيعة واتفق سبكتكين وأبو ثعلب على أن يقبضا على الخليفة والوزير وأهل بختيار ويعود سبكتكين إلى بغداد مستوليا وأبو ثعلب إلى الموصل ثم أقصر سبكتكين عن ذلك وتوقف وجاءه الوزير ابن بقية وأرسلوه إلى أبي ثعلب في الصلح وأن يضمن البلاد وبرد على أخيه حمدان أقطاعه وأملاكه إلا ماردين وعاد أبو ثعلب إلى الموصل ورجل بختيار وسار سبكتكين للقائه واجتمع بختيار وأبو ثعلب على الموصل وطلب أبو ثعلب زوجته ابنة بختيار وأن يحط عنه من الضمان ويلقب لقبا سطانيا فأجيب إلى ذلك خشية منه ورحل بختيار إلى بغداد وسر أهل الموصل برحيله لما نالهم منه وبلغه في طريقه أن أبا ثعلب قتل قوما من أصحابه وكانوا استأمنوا البختيار وزحفوا لنقل أهلهم وأموالهم فاشتد ذلك عليه وكتب إلى الوزير أبي طاهر بن بقية والحاجب ابن سبكتكين يستقدمهما في العساكر فجاؤا وعادوا إلى الموصل وعزم على طلبه حيث سار فأرسل أبو ثعلب في الصلح وجاء الشريف أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضي وحلف على العلم في قتل أولئك المستأمنة وعاد الصلح والاتفاق كما كان ورجع بختيار إلى بغداد وبعث ابنته إلى زوجها أبي ثعلب.